لم تقتصر حركات الدعم والتضامن التونسي مع الشعب الفلسطيني الذي يتعرّض لفظائع من قبل قوّات الاحتلال منذ السابع من أكتوبر الجاري، على الخروج للشارع وتنظيم المسيرات والوقفات التضامنيّة وحملات التبرّع والمطالبة بتجريم التطبيع، بل انخرط التونسيّون في حملة من نوع آخر لا تقلّ أهميّة عن كل تلك الحركات.
فقد أطلق نشطاء على منصّات التواصل الاجتماعي حملة لمقاطعة المنتجات والشركات العالميّة التي أعلنت دعمها الكيان الصهيوني. وقد بدأت هذه الحملة تجد لها صدى واسعا لدى الشارع التونسي الذي يبدي استعداده لاستغلال أيّ وسيلة من أجل دعم إخوانه في فلسطين.
فتحت هاشتاغ “#المقاطعة_مقاومة” دعت الحملة التونسية للمقاطعة ومناهضة التطبيع إلى مقاطعة فضاء تجاري كبير ومشهور في تونس ينتمي إلى سلسلة عالميّة أعلنت دعمها الصريح للاحتلال، مشدّدة على ضرورة مساهمة كل التونسيّين في هذا المجهود.
ولم تكتفِ الحملة بذلك بل نشرت على حسابها بفيسبوك قائمة بالمنتوجات التابعة لماركات عالميّة تدعم الكيان المحتلّ وما يقابلها من منتوجات وطنيّة، داعية إلى دعم المنتوج التونسي ومقاطعة المنتجات الأجنبيّة.
وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي عديد الهاشتاغات الداعية إلى المقاطعة على غرار “#الكرامة_قبل_الخبز”، “لا_تدفع_ثمن_رصاصهم”، “المقاطعة_مستمرّة” وغيرها.
وفي هذا السياق أكّد رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك لطفي الرياحي أن مقاطعة السلع الأجنبية سواء الأمريكية أو الأوروبية أصبحت مطلبا شعبيا تونسيا انخرطت فيه عديد المنظمات وهو بصدد تحقيق نتائج إيجابية، مشدّدا على ضرورة الاستمرار في الالتزام بمبدإ المقاطعة لأن في ذلك تأثير اقتصادي ومالي كبير في هذه الشركات والدول الداعمة للكيان الصهيوني، الذي يشنّ حرب إبادة جامعية في حقّ فلسطين والشعب الفلسطيني.
وقال الرياحي في تصريح لصحيفة الصباح “إنّ المنظمة تتابع حملات المقاطعة من خلال منظومة المستهلك الفاعل وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث ترصد سلوكيات المستهلك الذي له من الحسّ والوعي ما يجعله يمتنع طوعيّا وبشكل إرادي عن اقتناء هذه السلع التي يذهب جزء من عائداتها لتمويل المحتل الغاصب إسرائيل”، مضيفا: “نشهد في الأيام الأخيرة ومنذ الانطلاق في حملات الدعوة إلى المقاطعة.. أنّ أسئلة المستهلك التونسي أصبحت تتعلّق أساسا بأصل المنتوج ومن أيّ دولة مستورد إلى جانب تراجع التوافد على بعض الفضاءات التجاريّة العالميّة الموجودة في تونس”.
كما شملت دعوات المقاطعة شركات اتصالات وشركات نقل جويّ وشركات أخرى لديها استثمارات في تونس تحت ماركات عالميّة ثبت أنّها تدعم الاحتلال صراحة فضلا عن أنّها لا تفيد الاقتصادي الوطني في شيء.
ونقلت الصباح عن منسّق حملة مقاطعة البضائع الأمريكية والصهيونية في تونس يحيى محمد، قوله: “لو لا الدعم الأمريكي والأوروبي للاحتلال عسكريا واقتصاديا لما كانت قادرة على القيام بهذه الجرائم البشعة ضد الفلسطينيين وعلى هذا الأساس نعتبر أنّ أمريكا وفرنسا شريكتان في العدوان الصهيوني على غزة وعليه يجب محاصرة هذا اللوبي اقتصاديا من خلال توسّع حملة مقاطعة سلع هذه الدول”.
حملة المقاطعة لم تقتصر على امتناع المستهلك التونسي من شراء منتوجات لماركات عالميّة بل امتدّت لمنظّمات المجتمع المدني، فقد أعلنت قوى مدنية تونسية بارزة تعليق أنشطتها المشتركة مع منظمات واتحادات دولية، ووجّهت رسائل شديدة اللهجة لدول الاتحاد الأوروبي بسبب ما اعتبرته انحيازا منها للاحتلال، كما قررت أخرى مقاطعة التمويل الأمريكي رفضا “للاصطفاف غير المسبوق” وراء جرائم الاحتلال ضد الفلسطينيين.
فقد أعلنت 6 نقابات أساسية كبرى تابعة للاتحاد العام التونسي للشغل تعليق مشاركتها في كل أنشطة الاتحاد الدولي للخدمات العامة. وقال الناطق باسم اتحاد الشغل سامي الطاهري للجزيرة نت، إنّ “القرار يأتي للتعبير عن الاستياء الكبير من موقف الاتحاد الدولي للخدمات العامة ومساواته بين الضحية والجلاد”، مبيّنا أنّه “يدعو إلى وقف إطلاق النار من الجانبين، بينما يرتكب الاحتلال الصهيوني مجازر يومية في حقّ المدنيين”.
كما أعلنت الهيئة الوطنية للمحامين التونسيّين مقاطعة أشغال الاتحاد الدولي للمحامين، المقرّر عقده في مدينة روما من 25 إلى 29 أكتوبر الجاري، بسبب ما اعتبرته “اصطفافا فاضحا منه مع الكيان الصهيوني”، ولسكوته عن المجازر المرتكبة ضد الفلسطينيين.
ومن جهتها، أعلنت منظمة “أنا يقظ” -الناشطة في مجال مكافحة الفساد المالي والإداري وتدعيم الشفافية- عن مقاطعة عمليات التمويل أو المشاريع القادمة من الإدارة الأمريكية، “بسبب سياسة الكيل بمكيالين المتّبعة من الولايات المتحدة”، مهدّدة باتّخاذ الإجراء نفسه مع أيّ هيكل يساند الاحتلال رسميّا.
وتأتي هذه المقاطعة وسط حراك تضامني شعبي واسع ومتواصل في مختلف جهات البلاد، حيث خرج الآلاف، السبت الماضي، للتظاهر رافعين أعلام فلسطين وشعارات مناصرة للمقاومة الفلسطينية، ومطالبين بوقف العدوان الإسرائيلي كما نظّم المتظاهرون وقفات احتجاجيّة أمام سفارتي فرنسا والولايات المتحدة الأمريكيّة في تونس وطالبوا بطرد السفيرين متّهمين هذين البلدين بالمشاركة المباشرة في العدوان على غزّة.
كما أعلن الهلال الأحمر التونسي عن انطلاق حملة تبرّع وطنية لجمع المساعدات المالية والعينية لفائدة الأجهزة الصحية التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني والشعب الفلسطيني، وانتشرت مقرّاته وخيماته في كل مناطق الجمهوريّة، وشهدت إقبالا كبيرا من التونسيّين الذي تجاوبوا مع دعوات التبرّع والمساهمة في دعم الفلسطينيّين ومساندتهم.