تقدّمت رئاسة الجمهورية إلى مجلس نواب الشعب بمبادرة تشريعية لتنقيح المرسوم المتعلّق بالصلح الجزائي وتوظيف عائداته، وذلك بعد أن فشل مسار الصلح كما قدّمه رئيس الجمهورية قيس سعيّد وراهن على أن يحصد من خلاله 13 مليار دينار يتمّ توظيفها في التنمية الجهوية وفق مقابلة عكسية بين المنطقة الأقل نموا والخاضع للصلح الأكثر تورّطا، فضلا عن تمويل الشركات الأهلية التي خصّها سعيّد بمرسوم خاص وفتح أمامها طرق تمويل ومنح عديدة بالإضافة إلى الامتيازات الجبائية.
وكان عدد كبير من رجال القانون والسياسة قد انتقدوا المرسوم في صيغته الأولى، وأكّدوا أنّه لا حظ له في النجاح لأسباب عديدة من بينها عدم واقعية المبلغ المقترح تجميعه (13 مليار دينار)، وقصر مدة عمل اللجنة المشرفة (ستة أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة)، وضعف الإمكانيات البشرية واللوجستية، وتضارب المرسوم مع نصوص قانونية سارية المفعول، وثغرات قانونية عديدة في مرسوم الصلح من بينها أخطاء مادية اعترف مشروع القانون بها ونصّ على إصلاحها بعد إنكار طويل.
مجلس الأمن القومي و”الصلاحيات القضائية”
وقد تمّ إيداع المبادرة التشريعية الرئاسية يوم 29 ديسمبر الفارط، وأحالها مكتب مجلس النواب على لجنة التشريع أمس الأربعاء 3 جانفي، مما يؤكّد صبغة الاستعجال واقعيا، خاصة أنّ رئيس الجمهورية يراهن عليه لارتباطه بمشروعه السياسي بدعائمه المختلفة (البناء القاعدي والصلح الجزائي واسترجاع الأموال المنهوبة، والشركات الأهلية).
وتتمثّل أهم التنقيحات التي تضمنّها مشروع القانون، في إعطاء مجلس الأمن القومي اليد الطولى في القرار.ويترأّس هذا المجلس رئيس الجمهورية، ويتكوّن من رئيسي الحكومة والبرلمان ووزراء الدفاع والداخلية والعدل والمالية، ويمكن لرئيسه دعوة من يرى في حضوره ضرورة.
وبهذا أعاد سعيّد لقصر قرطاج ملف الصلح الجزائي وأخرجه من اللجنة القضائية الإدارية التي بقي دورها تقنيّا.
كما أعطى التنقيح لوزيرة العدل صلاحيات تنفيذية بإسناد الوثيقة النهائية للصلح (شهادة).
وبذلك يخرج الملف من طابعه القضائي إلى الطابع السياسي والإداري. فمجلس الأمن يتخّذ قرارات ذات صبغة قضائية وتسهر وزارة العدل على التنفيذ.
وأقرّ مشروع القانون مبدأ مصادرة أملاك الفارين وعدد من ذويهم. كما ألغى الآجال المحدّدة لأعمال لجنة الصلح الجزائي.
تفاصيل التنقيحات
تضمّن مشروع القانون تدعيم صلاحيات اللجنة الوطنية للصلح الجزائي، وذلك بالتنصيص على إمكانية إجرائها للأعمال الاستقصائية بالتعاون مع الجهات القضائية والإدارية والمالية كافة.
وتمّ تحديد الصلح في نوعين، الأوّل نهائي بمقتضاه يكون دفع كامل المبالغ المالية صبرة واحدة، والثاني مؤقّت يدفع خلاله المعني نصف المبلغ على الأقل.
وشدّد المشروع الجديد على ضرورة أن يرفع رئيس اللجنة الوطنية للصلح الجزائي ملف الصلح إلى رئيس الجمهورية الذي يتولّى عرضه على مجلس الأمن القومي، لاتّخاذ القرار المناسب. وتضمّن النص الجديد إمكانية إقرار المجلس مشروع الصلح أو رفضه أو تعديله. كما تمّ تغيير الجهة المتخصّصة بتسليم شهادة ختم إجراءات الصلح الجزائي بإسناد الاختصاص لوزير العدل عوضا عن وكيل الدولة العام لدى محكمة التعقيب.
وتضمّنت المبادرة الرئاسية التشريعية بيان الآثار المترتّبة على عملية الصلح أو عند تعذّرها، على غرار انتقال الأموال المؤمنة للدولة ومصادرة أملاك طالب الصلح وقرينه وأصوله وفروعه في حالة الفرار.
وقامت هذه المبادرة بإصلاح أخطاء مادية ذكرت وثيقة شرح الأسباب أنّها “تسرّبت” إلى عدد من فصول مرسوم الصلح الجزائي الذي أعدّه وقدّمه رئيس الجمهورية قيس سعيّد يوم 20 مارس 2022.
بقلم:عبدالسلام الزبيدي