مقالات رأيوطنيّة

“النهضة التي لم تنجز أي شيء” !!؟؟/ بقلم د. شاكر الحوكي

ربما لأنهم كانوا ينتظرون منها أن تتحول إلى “تجمع” جديد: بأن تساعدهم على إقحام أبنائهم في سوق الشغل، أو على قضاء شؤونهم اليومية وتلبية حاجاتهم الموسمية (من قبيل استخراج وثائق إدارية، أو دفع فواتير الماء والكهرباء، أو حصول على رخص “تاكسي” و”لواجات” وأكشاك ومقاهٍ. أو من قبيل التكفّل بنفقات العودة المدرسية أو قفة رمضان أو “حوايج الصغار” أو خروف العيد، ولِمَ لا تيسير حجّة إلى “بيت مكّة”.. ألخ)، وذلك كله بالطبع طبقا لما جرت به عادة “الحزب الحاكم” من التفضّل على التونسيين ببعض “الخدمات” مقابل انخراطهم وولائهم للنظام…
ذلك أن “التجمع الحاكم” لم يكن حزبا كسائر الأحزاب، بل كان أشبه شيءٍ بالأخطبوط الجاثم على دواليب الدولة، وكانت تتجمّع في قبضته كل آليات الحلّ والعقد والعبور.. ومهما كنت عاطلا أو موظفا أو فنانا او مسرحيا أو رياضيا او حتى ناشطا سياسيا، فقدرك أن تأخذك الحاجة إليه، عاجلا أو آجلا، طائعا أو كارها.. وقد كان لرؤساء الشعب ورؤساء لجان التنسيق ضمن هذه المنظومة الدور الأبرز في تجسير الهوّة بين المجتمع والدولة.. وكانت تكفي عبارات من قبيل “ولدنا” و”لينا” و”هذا متاعنا” وغيرها من العبارات الدارجة في استعمالهم، حتى تنحلّ العُقَد وتنفرج الكُرَب وتُقضى الحوائج بما يشبه السحر..
ذاك هو النمط التعامليّ مع “حزب الدولة” الذي دأب عليه “التونسي القاعدي” في قضاء مصالحه وسائر شؤونه طيلة عقود وعقود، حتى صار التجمّع بالنسبة إليه كـ”الفاتح لما أغلق”: يلوذ به وقت الحاجة لتذليل كل ما يواجهه من صعاب، ويفرّ إليه لقلب عسره يسرا.. وعلى هذا قيّد نظرته إلى الفعل والإنجاز بما يحقّق حاجاته الخاصة، لا بالإنجازات “الفرعونية” التي لا يلقي لها بالا، ولا تحركه كما يحركه مثلا فوز ابنه بوظيفة، أو ظفره برخصة تاكسي أو كشك.. الخ الخ
ولما اندلعت الثورة وسقط النظام، عاد الأمل يدغدغ انتظارات الناس في أن تحل حركة النهضة محل التجمع، كي تستأنف تأمين احتياجاتهم. فإذا بهم يكتشفون بمرور الوقت أن خيبتهم فيها كانت عظيمة، وأنها على خلاف التجمع “ما تقضيش”.. وإذ لم يقدروا على استيعاب عجزها عن تحقيق مطالبهم البسيطة بعد وصولها إلى دفّة الحكم، ولم يفهموا دور الأحزاب الحاكمة في النظام الديمقراطي وأنه ليس من حقها أن تحل محل الدولة .. فقد جنحوا بفعل ما راج من شائعات إلى اتهامها بالانحياز إلى أبنائها دون غيرهم، وإلى الزعم بأنها لا بد وأنها قد حذت حذو حزب التجمع الدستوري الديمقراطي في تخصيصهم بالانتدابات في الوظيفة العمومية وبصرف التعويضات لفائدتهم.. لا بل ولم يجدوا حرجا حتى في اتّهامها بالتورّط في الإرهاب والتسفير والقتل..
والا فإن إنجازات السنوات العشر الماضية ماثلة أمام الجميع: يرونها رأي العين دون حاجة إلى متابعات قنوات العار ولا إلى “إحصائيات” مراكز الزور، اللهم إلا من عميت أبصارهم عن رؤية الحقائق.. أفلا يرون إلى المحولات والقناطر والجسور كيف مُدّت في كل مكان !؟ وإلى الإنجازات السياسية قبل أن ينسفها الانقلاب كيف جعلت وطننا في صدارة الدول الديمقراطية أفريقيّا وعربيّا، بدءا بدستور 2014 وعطفا على الهيئات التعديلية المستقلة وانتهاء إلى إرساء منظومة الحكم المحلي !؟
أما الادّعاء بأن حركة النهضة لم تنجز شيئا، لمجرد كونها لم تقض على المنظومة القديمة ولم تنسف الاتحاد ولم تعلن الحرب على “إسرائيل”، فهذا محض هراء.. لأن من مقتضيات الانتقال الديمقراطي التي لا مفرّ من التسليم بها أنه آليّة للانضمام الى نادي الدول الديمقراطية وليس إلى التنمر عليها، وأنه يستدعي الدخول في تسويات مع المنظومة القديمة لا إلى شنّ الحرب عليها.
وبهذا المعنى، يترسّخ لدينا الاعتقاد بأن ما سيواجهه “الانقلاب” من تحديات لن يكون أقل شراسة مما واجهته حركة النهضة.
Peut être une image de 1 personne, position debout et lunettes_soleil

اظهر المزيد

Aymen Oueslati

محمد أيمن وسلاتي من مواليد 1982 مدون في موقع ميديا بلوس تونس

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!