مقالات رأيوطنيّة
ماذا تعني الزيادات المتتالية؟ ماذا يعني ارتفاع الأسعار الجنوني؟ ماذا يعني النقص الغير مسبوق في المواد الأساسية؟


منذ الثورة كان الدعم محورا أساسيا في كل مفاوضات الحكومات التونسية مع صندوق النقد الدولي ولم تستجب الحكومات المتعاقبة لهذا الشرط وان كانت تقدم فيه مقترحات.
لم تفعل لأنها حكومات مرتبطة بثقة ممنوحة من البرلمان قد تسحب منها إذا أقدمت على خطوة تضر بالقدرة الشرائية للتونسيين.
صندوق النقد الدولي كان يعتبر أن الشجاعة تنقص منظومة الحكم الديمقراطية وكانت الدول المانحة تعبر عن استيائها من صرف أموال طائلة من الميزانية في دعم المحروقات والمواد الغذائية الأساسية بالإضافة الى كتلة الأجور.
لم تكن أي حكومة ديمقراطية تستمد شرعيتها من البرلمان قادرة على هذه الخطوة وهو ما أصبح اليوم ممكنا بوجود حكومة معينة تطبق أوامر الرئيس ولا رقيب عليها الا هو.
إجراءات بهذه الخطورة لا يمكن أن تقدم عليها حكومة ديمقراطية ولا أن تغامر بها في حين نرى أن الحكومة المعينة لا تبالي بأي انعكاس لاجراءاتها على الشعب وهي مستعدة للذهاب بعيدا في التنكيل به. فلا الشعب جاء بها للحكم ولا يمكن له بأي حال من الأحوال محاسبتها ولا حتى مساءلتها. هي حكومة لا برلمان يحاسبها أو يسائلها وحتى الإعلام لا يمكن أن يحاورها فهي لا تقيم له وزنا.
تقوم الحكومة الحالية باتخاذ إجراءات في نفس الاتجاه تقيم الدليل على أن لديها برنامجا غير معلن أو لها اتفاقات مبرمة غير معلنة أيضا.
هذا الاتجاه واضح وهو رفع الدعم بطريقة وحشية.
وها نحن نشهد موجة زيادات متكررة في سعر المحروقات بنسق خطير و غير مسبوق رغم تراجع نسبي لسعر النفط دوليا الذي ارتفع بانطلاق الحرب الروسية الاكرانية ثم تراجع وهو ما يعني أن الموضوع لا علاقة له بهذا المعطى.
كما نشهد منذ اشهر شحا، لا مثيل له في تاريخ الدولة التونسية الحديثة، في المواد الأساسية المدعمة وهو ما يعني عمليا التقليص من كتلة الدعم بتقليص كمية المواد المدعمة في السوق. الموضوع لا هو احتكار ولا مضاربة ولا هم يحزنون. هو تنقيص إرادي في كمية المواد المدعمة للتقليص في كلفة الدعم.
هذه الخطوات المطلوبة بقوة منذ زمن من طرف صندوق النقد الدولي ومن المقرضين لم تكن لتتحقق بوجود برلمان وحكومة شرعية تعبر عن إرادة شعبية.
المهمة الحقيقية والوحيدة لمنظومة 25 جويلية !
منذ 25 جويلية لم ينجز الانقلاب شيئا للتونسيين من كل أوهام الرفاه التي سوقها في البداية بل هو منذ البداية يحقق شيئا واحدا وبرنامجا وحيدا :
انه يطبق إملاءات رفع الدعم ويقوم من أجل عيون الممولين بالتنكيل بالقدرة الشرائية للتونسيين مستعملا غطاء شعبية الرئيس في الانتخابات الرئاسية و التي يعتقد أنها ستمكنه من تمرير أجندة المقرضين بالوكالة.
كما يستعمل الانقلاب خاصة غطاء الفتنة والفرقة بين التونسيين حتى لا يكون لهم صوت واحد وموقف وطني موحد يفاوضون به على كرامة التونسيين أمام الجهات المقرضة.
لذلك لا يريد الانقلاب حوارا وطنيا ولا وحدة وطنية ولا موقفا وطنيا لأنها كلها تنهي حتما آخر دعائم وجوده او لنقل دعامة وجوده الوحيدة وهي تنفيذ أجندة تفقير الشعب ورفع الدعم تماما ثم التفويت في المؤسسات الوطنية التي سوف يأتي دورها عاجلا غير آجل لأنها جزء من الإملاءات.
وتحت عناوين السيادة الرنانة يفقر ويجوع التونسيون لمصلحة إرادة خارجية تعرف كيف تضمن مصالحها في كل الحالات في حين نعجز عن فهم ما يحصل حقا.
إنهاء الانقلاب هو قرار وطني يجب أن يكون محور وحدة وطنية ومحور موقف وطني ليس مرتبطا بصراعات ايديولوجية هامشية نغرق فيها منذ عشر سنوات أو أكثر.
بل يجب أن يكون نتاج رؤية وطنية مشتركة مدعومة من كل القوى الوطنية السياسية وكل المنظمات لإنقاذ الاقتصاد التونسي دون التضحية بالقدرة الشرائية للتونسيين والتنكيل بهم من خلال تجويعهم وتفقيرهم لغاية في نفس المنقلب ومن وراءه.