70 مولودا شهريّا.. أبناء “الزنا” في تونس وأمّهاتهن في شراك شبكات الاتّجار

شهدت ظاهرة الأمّهات العازبات في تونس ارتفاعا ملحوظا في ظلّ انحلال المجتمع وفساده وانهيار القيم الإنسانية والأخلاقية، وعدم تحمّل الأطراف المعنيّة مسؤوليّة تفشّي هذه الظاهرة، والتّهاون في سنّ القوانين وتفعيلها لوقف معاناة “الأمّهات العازبات” والأطفال على حدّ سواء.

وفي تحقيق أجرته جريدة الصباح، أفاد مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث، أنّ تونس احتلت المرتبة الثانية في دراســة حول تأخّر سن الزواج لدى الفتيات في الوطن العربي.

وارتفعت نســبة تأخّر سن الزواج في تونس إلى نحو 81%.
ويأتي تصنيف تونس بعد لبنان الّتي فاقت نسبة تأخّر سن الزواج فيها 85%. 
من جهتها، سجّلت وزارة المرأة 848 حالة ولادة خارج إطار الزواج خلال 2023، أي حوالي 70 حالة شهريّا وأكثر من حالتين في اليوم.

ومقارنة بالسنوات الماضية يُعدّ هذا الرقم مرتفعا، إذ سجّل العام الماضي 802 حالة ولادة خارج إطار الزواج و 868 إشعارا بولادات غير شرعيّة، إضافة إلى ذلك فإنّ أغلب الأطفال الذين يُولدون خارج الأطر القانونية يتحمّلون وزر أخطاء الوالدين، إذ يكون مصيرهم القتل أو التخلّي عنهم وتركهم في المستشفيات أو في الشارع، وفق ما أوردته جريدة الصباح.

وأكّدت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة أنّ ثقافة الإشعار بالتهديدات التي تُهدّد مصلحة الطفل الفضلى شهدت تناميًا  في السنوات الأخيرة، إذ تطوّر عدد الإشعارات من 17 ألف سنة 2000 إلى 22 ألف إشعار سنة 2023 ومن 5500 إلى 7500 إشعار خلال الأربعة أشهر الأولى من السنتين ذاتهما.
وتستأثر ولايات صفاقس ونابل وأريانة وتونس وسوسة بالنصيب الأكبر من الإشعارات المتعلّقة بمصلحة الطفل الفضلى.
وأعلنت الوزارة تسجيل 300 ولادة خارج إطار الزواج من 1 جانفي إلى موفى أفريل 2023.

استغلال جنسي.. ورُضّع في المزاد!

وكشف تحقيق جريد الصباح عن أن عدّة شبكات في تونس تنشط في استقطاب النّساء من ذوات الوضعيّات الهشّة، وإجبارهنّ على الإنجاب خارج إطار الزواج في مرحلة أولى وبيع الرضّع في مرحلة ثانية.
وقد تمّ الكشف في وقت سابق عن شبكة لاستغلال النساء في هذا المجال.


وبلغ أفراد الشبكة 18 شخصا، وفق تحقيق للصحفيّة مفيدة القيزاني في جريدة الصباح التونسيّة.
وتعمل هذه الشبكات على استغلال النساء وإجبارهنّ على ممارسة الجنس والإنجاب خارج الإطار القانوني وبيع الرُضّع في ما بعد.


وتمّ الكشف عن شبكة للاستغلال الجنسي والاقتصادي وإكراه النساء على الإنجاب والاتجار بالرُضّع حديثي الولادة، تقودها امرأة وعدد أفرادها يصل إلى 16 من ضمنهم 8 موقوفين.

وأُميط اللّثام عن هذه الشبكة بناء على توفّر معطيات تحصّلت عليها الفرقة المركزيّة لمكافحة جرائم الاتّجار بالأشخاص بإدارة الشؤون العدليّة للحرس الوطني ببن عروس.
وذكرت الصحفية مفيدة القيزاني في تحقيقها أنّ الشبكة تترأّسها امرأة تمّ القبض عليها رفقة وسيطة من العنصر، تتمثّل مهمّتها في استقطاب الفتيات من الفئات الهشّة ووضعهم على ذمّة رئيسة الشبكة بهدف استغلالهم جنسيّا والاتجار بالرضّع بمقابل مادّي.


وتمّت -حسب ما أورده تحقيق جريدة الصباح- معاينة 3 ضحايا كانوا يقطنون منزل رئيس الشبكة إثر حجز وثائقهم الشخصيّة وهواتفهم الجوّالة ليتمّ استغلالهم في المجال الجنسي تحت التّهديد.
واستحضرت الصحفيّة حادثة جدّت وقائعها سابقا بولاية المهدية، تمثّلت في بيع أم أربعة أطفال رضّع على مراحل مقابل راتب شهري تدفعه العائلة المتبنّية.
وبعد بحث الفرقة الجهوية للشرطة العدلية والفرقة المختصة بالبحث في جرائم العنف ضدّ المرأة والطفل وفرقة الطريق العمومي بالمهدية في موضوع الحادثة، كشفت الأبحاث أنّ الأم عمدت خلال بيعها أحد أطفالها إلى تدليس هويات ووثائق حتّى تتمّ عمليّة التّسجيل بدفاتر الحالة المدنيّة باسم المتبنّي.
وتمّ إيقاف الأم والأب والإبقاء على شخصين آخرين بحالة تقديم.


من جهتها، كشفت دراسة أجرتها جمعيّة الأم والطفل أنّ حوالي 2000 طفل يُولدون سنويا خارج إطار الزواج بعد سنة 2011، أي بمعدّل 166 طفلا شهريا و5 أطفال يوميّا.
ويعني ذلك أنّ هناك 2000 أم عزباء تضع مولودا كلّ سنة، أي ما يُناهز 15000 أم عزباء أنجبت خارج إطار الزواج منذ الثورة إلى حدود 2018.
وتدعو هذه الأرقام إلى الفزع والقلق رغم عدم وجود إحصائيات رسميّة حول هذه الفئة من الأطفال، ذلك أنّ أغلب الأمهات العازبات تفضّلن وضع أطفالهنّ في المنزل خوفا من “الفضيحة”.
وحسب التحقيق، تمّ في وقت ســابق إصدار بطاقة إيداع بالسجن في حق فتاة متّهمة بقتل مولودة أنجبتها من علاقة غير شرعية مع سفاح، ثمّ ألقت بجثتّها.


ولم تكن الفتيات القاصرات بمأمن، إذ ذكرت الصحفية قصة الفتاة القاصر التي تقدّمت رفقة والدتها إلى مقرّ الفرقة المختصة بالبحث في جرائم العنف ضدّ المرأة والطفل بجزيرة جربة التابعة لولاية مدنين من أجل تقديم قضية عدلية ضدّ شخص من مواليد 1995، مطالبة بتسجيل ابنتها الرضيعة في سجل الحالة المدنية.
وأفادت الفتاة في أقوالها أمام باحث البداية أنّها تعرّفت على المشتكى به منذ 3 سنوات بمسقط رأسهما بولاية تطاوين، وتوطّدت العلاقة بينهما إلى درجة إقامة علاقة غير شرعية.
وكان المتّهم يعدها بالزواج في كل مرّة دون تنفيذ لوعده.


وإثر إخبار الطبيب لها أنّها في الشهر الرابع طلب منها الشاب إجهاض الجنين، إلا أنّها رفضت وأصرّت على إبقائه.
وأكّدت الفتاة أنّه عند قيام الشاب بالتكفّل بكلّ المصاريف العلاجيّة، توارى عن الأنظار متحاشيا تسجيل المولود باسمه.

وتُرجع بعض الدراسات ارتفاع هذه الظاهرة إلى تدنّي المستوى التعليمي للأمّهات العازبات، إذ أظهرت دراسة أعدّتها منظّمة اليونسيف حول الظاهرة أنّ المستوى التعليمي للأمّهات العازبات في تغيّر مستمرّ، ففي التسعينات كانت 80% منهن أميّات، ومع مطلع الألفيّة الجديدة تغيّرت النسبة لتصبح 28%، وأنّ 23% منهن حاصلات على تعليم ثانوي، و1.5% على تعليم جامعي، و48% على الابتدائي.
وحسب المفاهيم السائدة والمعتمدة في البحوث الاجتماعية والجامعيّة فإنّ الأم العازبة هي كل فتاة ترتبط بعلاقة جنسيّة خارج إطار الزواج وتنجب طفلا أو أطفالا يتخلّى عنهم الأب، ويرفض تسجيلهم، فتتعهّد بهم أمّهم، ما قد تترتّب عليه أزمات نفسيّة واجتماعيّة عديدة.

الأمّهات العازبات.. الدوافع الاجتماعيّة 

أظهرت عدّة دراسات علميّة أجريت على عيّنات مختارة من الأمّهات العازبات، أنّ من أهمّ أسباب العلاقات خارج إطار الزواج، غياب أحد الأبوين أو كليهما وعدم تحمّلهما المسؤولية لسبب أو لآخر، وتوتّر الأجواء داخل الأسرة، أو السلطة المطلقة لأحد الأبوين، ناهيك عن العنف المسلّط من قبل العائلة، خاصّة العنف المسلّط من قبل الذكور على الإناث والاستغلال الاقتصادي الذي يتعرّضن له.

ويُفسّر الباحث في علم الاجتماع، طارق بالحاج محمد، ظاهرة الأمّهات العازبات في تونس، حسب ما أورده التحقيق المنشور في جريدة الصباح، بأنّ البيئة الاجتماعية والثقافية التي يحتلّ فيها الهوس والاهتمام الجنسي المرضي حيّزا كبيرا من الاهتمامات والنقاشات اليوميّة قد تُحوّل ظاهرة الدّعارة والبغاء إلى ظاهرة اجتماعيّة ملفتة للانتباه.


وقد تتحوّل هذه الظاهرة من مجرّد ممارسة شخصيّة خارج القانون إلى ظاهرة اجتماعيّة تُمثّل الوجه الآخر للدعوات المتكرّرة للزواج العرفي وزواج القاصرات وجهاد النكاح والاغتصاب، وهي ظواهر تنتج يوميّا مزيدا من الأمّهات العازبات المتخلّيات عن أبنائهنّ حديثي الولادة، وتُوفّر المجال لشبكات الجريمة المنظّمة في ظل انهيار القيم الإنسانيّة والقيميّة والأمنيّة.

ويُضيف الباحث أنّه نظرا إلى الاختلاط في جميع الفضاءات الاجتماعيّة تُصبح إقامة العلاقات الجنسيّة خارج إطار الزواج مُمكنة ومتاحة، لكنّ هذا الإقبال على العلاقات الحرّة يترافق عموما مع غياب الحد الأدنى من الثقافة الجنسية العلميّة الكفيلة بتجنيب ممارسيها الإصابة بالأمراض والحمل غير المرغوب فيه.
ويؤكّد بالحاج محمد أنّه عند وقوع الحمل تحاول الأمهات العازبات البحث عن أيّ طريقة للتخلّص من الزّائر غير المرغوب فيه.

ومن خلال قراءته للظاهرة يشير الباحث إلى أنّ المجتمع التونسي هو مجتمع تتداخل فيه الأدوار ولا تنطبق فيه الأقوال على الأفعال، إذ تجد التونسي متشدّدا ومتسامحا، يُقدّر الثقافة والعلم ويمارس عكسهما.


كما يعتبر باحث علم الاجتماع أنّ ظاهرة تخلّي الوالدين عن الواجب الأخلاقي والقانوني تجاه الأبناء تكتسي خطورة وتؤدّي إلى آثار نفسيّة، خاصّة على النساء المتورّطات والأطفال في ظلّ غياب قوانين تحميهم أو تضمن حقوقهم، ذلك أنّ هؤلاء الأطفال لن يجدوا قانونا يحميهم أو يعطيهــم حقوقهم أو حتّى يثبت نســبهم، فهم في إطار المنظومة القانونية القائمة يُعتبرون أبناء خارج إطار الزواج، وبالتالي هم عبــارة عن حالة اجتماعية أكثر منهم أبناء شرعيّين، ممّا قد يزيد العبء على المجتمع المنهك والمتذبذب أصلا.


ووفق ما ورد في تحقيق جريدة الصباح، فإنّ هذه النوعيّة الجديدة من المواليد ستزيد في أعداد هذه الفئة المهمّشةّ، نظرا إلى عدم تمتّعهم بالحماية القانونية والاجتماعية والتربوية لآبائهم، وعدم قدرتهم على عيش حياة طبيعيّة في مجتمع يزدريهم ولا يعترف بهم قانونيّا.

Exit mobile version