
في ظل الارتفاع المستمر لأسعار العقارات وتحديات التمويل البنكي، تتجه الأنظار مجددًا في تونس نحو آلية “الكراء المملّك” كحل محتمل لأزمة السكن التي تؤرق شرائح واسعة من المواطنين. البرنامج القديم المتجدد يعود اليوم إلى الواجهة كرهان حكومي لتوفير مسكن لائق للفئات محدودة ومتوسطة الدخل.
وفي هذا الاطار تعتزم وزارة التجهيز والإسكان عبر الباعثين العقاريين العموميين (الشركة الوطنية العقارية للبلاد التونسيّة)، إدراج مشروع يتمثل في بناء 100 مسكن اجتماعي جماعي، بإقامة أكاسيا بالزهروني، ليكون أوّل مشروع يدخل في إطار منظومة الكراء المملك.
وينتظر ان يتم تفعيل خطة السكن أو الكراء المُملَك، بنهاية سنة 2025،وذلك بعد استكمال كل التراتيب والإجراءات القانونية.
فما هي منظومة الكراء المملك؟
منظومة “الكراء المملّك” في تونس هي آلية تمويل عقاري تهدف إلى تمكين المواطنين، خاصة الفئات محدودة ومتوسطة الدخل، من امتلاك مسكن بعد فترة معينة من الإيجار. يمكن وصفها بأنها عقد يجمع بين الكراء (الإيجار) والبيع، حيث يدفع المستأجر أقساط إيجار تتضمن جزءًا من سعر العقار، وفي نهاية المدة المتفق عليها، يصبح العقار ملكًا له.
كيفية عمل منظومة الكراء المملّك:
عقد مزدوج (كراء ثم تمليك): يتم توقيع عقد إيجار بين الطرفين (المؤجر، غالبًا ما تكون شركة عقارية حكومية مثل “الشركة الوطنية العقارية للبلاد التونسيّة” أو خاصة، هذا العقد يتضمن بندًا صريحًا يمنح المستأجر حق تملك العقار بعد انتهاء فترة الإيجار، أو بعد استيفاء شروط معينة (مثل سداد نسبة معينة من الأقساط).
أقساط الكراء المتضمنة لجزء من الثمن: لا تدفع الأقساط الشهرية كإيجار فحسب، بل جزء منها يُحتسب كدفعة مقدمة لشراء العقار. هذا يعني أن كل قسط يدفعه المستأجر يقربه خطوة من امتلاك المسكن.
مدة العقد: يتم تحديد مدة زمنية محددة لعقد الكراء المملّك، خلال هذه المدة، يعتبر المستأجر منتفعًا بالعقار ويدفع الأقساط المتفق عليها.
نقل الملكية: عند انتهاء مدة الكراء وسداد جميع الأقساط المتفق عليها، أو استيفاء الشروط المحددة في العقد، تنتقل ملكية العقار إلى المستأجر (المكتري) بشكل نهائي، غالبًا مقابل دفع مبلغ رمزي أو ما تبقى من قيمة العقار.
الهدف من منظومة الكراء المملّك في تونس:
الهدف الرئيسي من هذه المنظومة هو توفير حلول سكنية للفئات التي تواجه صعوبة في الحصول على قروض بنكية تقليدية لشراء مسكن، أو التي لا تستطيع دفع ثمن العقار دفعة واحدة. فهي تتيح لهم فرصة امتلاك مسكن تدريجيًا من خلال أقساط شهرية تكون غالبًا أقل عبئًا من أقساط القروض العقارية التقليدية.
تاريخ وتطور المنظومة في تونس:
كانت آلية الكراء المملّك معتمدة في تونس منذ سبعينيات القرن الماضي (مع تأسيس شركة النهوض بالمساكن الاجتماعية “سبرولس” عام 1977)، حيث بدأت الشركة بكراء الشقق، ثم تحولت إلى مقاربة الكراء المملّك في عام 1989.
استمرت هذه الآلية في التطبيق حتى عام 2016، ثم توقفت بسبب بعض الإشكاليات، خاصة تلك المتعلقة بالقوانين التي تخص المؤسسات البنكية وآليات التمويل التفاضلية.
في الآونة الأخيرة وتحديداً مع بداية 2025، قررت الحكومة التونسية ووزارة التجهيز والإسكان إعادة إحياء وتطبيق منظومة الكراء المملّك، وذلك لمواجهة غلاء أسعار العقارات وتوفير السكن اللائق للفئات محدودة ومتوسطة الدخل. وسط توجه نحو صياغة نصوص تشريعية جديدة لتمكين جميع الفئات من اقتناء مسكن لائق.
وفي خضم التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه تونس، يمثل إحياء منظومة “الكراء المملّك” خطوة إيجابية نحو تحقيق الاستقرار الاجتماعي وتوفير الحق في السكن اللائق.