عند اقتراب مناسبة عيد الأضحى، عادة ما يطفو للسطح نقاش من حيث الجوانب الدينية الاجتماعية أو الاقتصادية أو الثقافية لرمزية الاحتفال بالمناسبة، وهذه السنة كما في السنوات الأخيرة، عرف الفضاء الأزرق سجالا خاصا قارب المناسبة من خلال موقعها الرمزي، حيث انقسمت الآراء بين مجموعة أيدت مبدأ كون المجتمع يعرف تحولات عميقة في علاقته بالمناسبة والحفاظ على نفس النسق الاحتفالي القديم، وبين معارضين اعتبروا أن حرية الاحتفال به أو الامتناع عنه هي الأساس، مما يضعنا أمام سؤال حقيقة التحولات التي تقف وراء الدعوة لمقاطعة الاحتفال بعيد الأضحى، وهل تجاوز هذه المناسبة مؤشر من مؤشرات تراجع الاعتقاد، أم أن الأمر لا يعدو كونه سوى إرهاصات اقتصادية ؟
اعتبر الباحثون أنه “يصعب إرجاع عدم احتفال بعض الأسر لتونسية بعيد الأضحى إلى عوامل اقتصادية، لاسيما في هذا التوقيت بالضبط الذي يتزامن فيه هذا العيد بالدخول في العطلة الصيفية، اذ ورغم أن الأسر الفقيرة ملزمة بمواجهة مصاريف مضاعفة استثنائية، قد تتجاوز متوسط النفقات الاجمالية لـ 20 في المائة من هذه الأسر لشهر واحد بنسبة 78 في المائة، فإنها تحرص على الاحتفال بعيد الأضحى رغم عدم إلزاميته. علاوة على ذلك، تشير الأرقام إلى أن عدم الاحتفال بالعيد الكبير يرتفع بين أوساط الأسر الحضرية (5.9 في المائة) مقارنة بالأسر القروية التي لا يتجاوز فيها هذا المعدل 2.5 في المائة”.
ويؤكد الباحثون “من خلال هذه الأرقام التي تشير إلى أن معدل عدم الاحتفال بعيد الأضحى يرتفع كلما ارتفعنا في سلم التراتب الاجتماعي وكلما ارتفع المستوى التعليمي للأفراد. إذ أن 12 في المائة من الأسر التي تنتمي للساكنة الميسورة لا تمارس هذا الطقس الديني، مقابل 2 في المائة من الأسرة الفقيرة. كما أن 11.6 في المائة من رؤساء الأسر الذين لهم مستوى تعليمي مرتفع يفضلون عدم الالتزام بهذا الواجب الديني، مقابل 4 في المائة من رؤساء الأسر الذين يفتقدون إلى أي مستوى تعليمي”.
وحول سؤال، ماذا يمكن أن نستنتج من هذه الإحصاءات؟ يقول الباحثون إن الامر “يتساوق مع أطروحة الاندماج الاجتماعي كما نظّر لها إيميل دوركايم والتي فسر بها ظاهرة الانتحار مع إضافة تعديلات تبدو جوهرية.. حيث أن مجتمعات الحداثة المتأخرة تتميز بخاصيتين أساسيتين: سيادة الثقافة الاستهلاكية وسيرورة الفردنة. فالأفراد أصبحوا أكثر تكيفاً مع الحضارة المادية التي تشجع على الاستهلاك الذي تحول إلى شبه غريزة، أي إلى طبيعة ثانية؛ وفي نفس الوقت سمح لهم التفكك التدريجي للروابط الاجتماعية التقليدية بأن يوسعوا نطاق اتخاذهم للقرارات وبالتالي أن يبنوا استراتيجيات خاصة لتدبير مجرى حياتهم اليومية”.
وهذا ما يفسر كون العديد من الأسر، بمختلف انتماءاتها الاجتماعية، لا تلتزم بممارسة طقس عيد الأضحى بتونس. لكن يجب إضفاء طابع النسبية على هذه الممارسة نظراً لاختلاف معدلاتها باختلاف المحددات الاجتماعية”.
وبالفعل، إن مستوى الاندماج الاجتماعي يتزايد في المستويات السوسيو اقتصادية الدنيا، ولدى الأفراد الأقل تعليماً والمتزوجين، وخصوصاً في الأسر المكونة من عدد كبير من الأعضاء، بينما يقل كلما صعدنا في الهرم الاجتماعي وكلما ارتفع المستوى التعليمي لدى الأفراد وفي أوساط العزاب..
والنقاش السائد حول ظاهرة عدم الاحتفال بالعيد الأضحى أو الاحتفال بها، يقود إلى أسئلة عميقة حول تقاطع المبررات الثقافية والاقتصادية، وحول أجيال الشباب العربي والتونسي خصوصا وعلاقتها بالمقدس، مما يستدعي مقاربة الظاهرة من نواحي متعددة نظرا لأن التونسيون اليوم ليسوا مسجونين في نمط واحد بل انفتحوا إلى كونية ومشترك إنساني يتبنى الهُجنة كمبدأ”.