سيطرت الشركات الثلاث الكبرى على قطاع الدواجن في تونس نتيجة الاستثمارات الهائلة و الامكانيات
الكبيرة في إنتاج الأعلاف والمنافسة غير المتكافئة مع المربين الصغار، ولم يتبق من المنتجين والمنتجات
الا بضع مئات وهم ذاهبون إلى الزوال.
استطاعت المجموعات الصناعية “بولينا القابضة” و”الوردةالبيضاء” و”آلفا” أن تتزعم جميع حلقات إنتاج الدواجن في تونس من صناعة الأعلاف وصولا إلى بيع اللحوم البيضاء والبيض بالتفصيل .
كيف تتحكم الشركات الكبرى في حلقات الانتاج ؟ ولماذا تعدّ أزمة
قطاع الدواجن اليوم هيكلية؟
تمثل تكلفة الأعلاف %70 من كلفة الانتاج في قطاع الدواجن ما يجعل التحكم في أسعارها المحدد الرئيسي
لتحديد هامش الربح لدى المربين. منذ النصف الثاني من سنة 2018 بات التزود بالأعلاف كابوس المربين
بعد أن عرفت أسعارها ارتفاعا مفاجئا. غلاء أرجعته الشركات المنتجة إلى ارتفاع الأسعار العالمية للمواد
الأولية الأساسية لصناعة أعلاف الدواجن فيما ترى نقابة مربي الدواجن أن الشركات الكبرى تضاعف
نسبة أرباحها لازاحتهم من السوق والاستئثار بالقطاع .
فإلى حدود سنة 1996 كان ديوان الحبوب المستورد والموزع الوحيد والرسمي لفيتورة الصوجا والذرة
في السوق التونسية. بعد ذلك خرجت الدولة من هذا القطاع وأعدت كراس شروط لمن يريد استيراد الذرة
وفيتورة الصوجا. ويرى الملاحظون أن الدولة ارتكبت حينها خطأ جسيما يتمثل في منح الفرصة للشركات
الثلاث الكبرى للهيمنة على المجال، فإن عملية الاستيراد مكلفة جدا وفق كراس الشروط وتحتاج موارد
هائلة. من يريد دخول مجال استيراد فيتورة الصوجا والذرة مطالب بتوفير مخزون شهرين كاملين من
استهلاك البلاد وهو ما جعل منهم مزودي الأعلاف الحصريين لمنافسيهم. في ذات الوقت من غير المنطقي
أن يكون المزودون هم أنفسهم المنافسون لأن ذلك يمنحهم أفضلية على منافسيهم ويمكن أن يعجل في إفلاسهم
ويخرجهم من المنافسة على اعتبار اختلاف سعر الكلفة.
في الوقت الحالي تسيطر المجموعات الصناعية الضخمة بولينا وآلكو وآلفا على صناعة الأعلاف وتسويقها
وهي ذاتها المجموعات الثلاث الرائدة في إنتاج البيض واللحوم البيضاء. تعد هذه الشركات إلى حدود
فيفري 2021 المزود الوحيد للفلاحين بالمواد الأولية الأساسية أي الذرة وفيتورة الصوجا. تستورد هذه
المجموعات %100 من حاجياتها من الذرة من الخارج في حين تستورد قسط من حاجياتها من فيتورة
الصوجا والقسط الأخير تشتريه من شركة حبوب قرطاج المصنع المحلي لهذه المادة.
تحّول “الثالثة الكبار” أواخر التسعينات إلى المستوردين الحصريين لفيتورة الصوجا والذرة، يوزعون
على البلد بأكملها مع أخذ احتياجاتهم الخاصة التي تمثل %70 من السوق التونسية. هذه التكاملات
الصناعية هي موجودة منذ 1967 تاريخ تأسيس بولينا القابضة، وبعدها بسنوات انطلقت كذلك مجموعة
الأخوين الأحمر التي تحولت اليوم إلى اسم الوردة البيضاء والمعروفة بألكو في قطاع الأعلاف، ثم خلقت
في الثمانينات مجموعة محمد حشيشة والتي آلت في الأخير إلى ألفا .
مع بداية الألفينات بادرت شركة حبوب قرطاج باستيراد حبوب الصوجا لتصنع منها الفيتورة محليا لتكون
كلفتها أقل على المربين. فيما تحولت شركات الأعلاف المركبة إلى وسيط بين شركة حبوب قرطاج
والمربين فيما يتعلق بفيتورة الصوجا والمزود الحصري للذرة العلفية المستوردة.
وقد أقرت وزارة التجارة تغطية ديوانية ب %15 على فيتورة الصوجا المستوردة وهو إجراء معمول به
لحماية الانتاج المحلي من منافسة السلع المستوردة مع الاشارة إلى أن وزارة التجارة قد حددت منذ فيفري
هامش ربح شركة حبوب قرطاج ب %5 من الكلفة الجملية.
قبل شهر جوان 2018 كانت الأوضاع مستقرة إلى حد ما، حيث كانت الشركات الكبرى تبيع للفلاحين
بهوامش ربح معقولة بين 70 و100 دينار في الطن. وهذا كان يلائم هؤلاء اذ يجنبهم تكاليف النقل
والشحن وغيرها خصوصا في الجهات الأبعد عن العاصمة كصفاقس والشمال الغربي إضافة إلى أن هذه
الشركات تقدم تسهيلات في الدفع للفلاحين .
يرجع السبب في معاناة المربين إلى ما وقع في جوان 2018 حيث بدأت الأسعار حينها في الصعود ليرتفع
سعر الطن في أقل من 6 أشهر من 900 دينار إلى أكثر من 1300 دينار حينها عمدت الشركات إلى
مضاعفة هامش أرباحها. بعدها عاد وانخفض سعر البورصة فخفّضت شركة حبوب قرطاج في أسعارها
فيما حافظوا هم أي المجموعات الثالث على نفس السعر ليتحول هامش ربحهم إلى ما يقارب 400 دينار.
من أسباب ارتفاع أسعار الأعلاف أن المجمعات الثالثة الكبرى بولينا وألكو والفا لجؤوا إلى خلق شركات
وسيطة تنتمي إلى نفس المجموعة حيث تبيع كل شركة إلى أخرى من نفس مجموعتها، ما يتسبب في رفع
هامش الربح في كل مرة يباع فيها المنتوج. كمثال على ذلك في أكتوبر 2019 باعت الشركات التجارية
التابعة للمجموعات المذكورة فيتورة الصوجا بـ 1460 دينار في حين أن سعر الشراء من شركة حبوب
قرطاج يقدر حينها بـ 1057,7 دينار للطن. وهي طريقة مكنت هذه الشركات من تأمين أرباح تصل إلى
400 مليون دينار سنويا من بيع منتج دون أي قيمة مضافة .”
ومنذ 19 فيفري 2021 أصبحت شركة حبوب قرطاج تبيع للجميع أي الشركات الكبرى والفلاحين بنفس
هامش الربح وأصبح كل فلاح قادر على اقتناء الصوجا مباشرة من الشركة. وأثر هذا إيجابيا على الفالحين
الذين باتوا يقتنون طن الصوجا بـ 1600 دينار عوضا عن 1800 .
لكن ما انفكت المجموعات الثالث بالمطالبة بفتح الباب لها لاستيراد فيتورة الصوجا دون تغطية ديوانية مما
يعني إنهاء نشاط حبوب قرطاج تماما وافتكاك نشاط استيراد الصوجا منها والتحكم كليا في الأسعار .
لذلك ينتشر الاحتقان والغضب بين مسؤولي نقابة مربي الدواجن و الاتحاد الوطني للفلاحة والصيد البحري
بسبب تواصل ارتفاع أسعار الأعلاف منذ سنوات إذ نجد المجموعات الكبرى تراكم الأرباح والأموال وفي
حين البقية – أي الفلاحين الصغار والمصنعين المحليين – يسيرون نحو الهاوية.
عرفت أعداد المربين في قطاع الدواجن تراجعا حادا خلال السنوات الثالث الماضية، حيث تراجع عدد
مربي الديك الرومي من 600 مربي إلى 3 فقط هم بولينا والفا وآلكو، حسب الجامعة الوطنية لمربي
الدواجن.
تسهيلات مسمومة
عمدت الشركات الثالث الكبرى المهيمنة إلى إغراق السوق بالمنتجات من الفراخ المعدة للتسمين ومعدات
تربية الدواجن وتقديم تسهيلات مسمومة إلى المربين لرفع الطلب على الأعلاف التي تسيطر على مسالك
إنتاجها وتوزيعها ما تسبب في ارتفاع مديونية الفلاحين لشركات الأعلاف . تبعا لذلك تمكنت الشركات
الكبرى من التهام الفالحين الصغار بابتلاع وحدات الانتاج الخاصة بهم ليتراجع عدد منتجي دجاج اللحم
من 6000 عامل في القطاع إلى بضع مئات في السنوات الثالث الماضية وتراجع عدد منتجي البيض من
600 إلى 100 منتج فقط. كما أصبح إنتاج لحم الديك الرومي حكرا على الشركات الثالث الكبرى” وهو
ما فسر به إلى جانب أسباب أخرىالارتفاع ال ُمشط في شرائح لحم الديك الرومي.
مع ظهور أنفلونزا الطيور في بداية الألفينات فرضت وزارة التجارة مرور الطيور بمسالخ مراقبة مرخص
لها من وزارة الفالحة. وقد كان نتيجة لذلك أن استثمرت الدولة وأعطت منحا مهمة تتجاوز مليون دينار
حتى ارتفع عدد المذابح من 7 إلى 31 مذبح .
انتهت هذه المذابح اليوم إلى الافلاس فلم يتبقَ منها سوى ،17 منها ما استوعبته الشركات الكبرى والبقية
أغلقت لأنها باتت تواجه الخسارة يوميا. في السابق كانت الشركات الكبرى على غرار بولينا تسيطر على إنتاج
الأعلاف ولكنها سرعان ما تحولت إلى مسيطر على كامل حلقات الانتاج . في مجال الدواجن مثال فيما
يخص إنتاج لحم الديك الرومي لم يعد هناك أي منتجين عدا الثالثة الكبار.
إن نتائج هذه السيطرة والقضاء على المنافسة قادا إلى الارتفاع المفاجئ في سعر شرائح لحم الديك الرومي
من حوالي 11 دينار إلى 18 في غضون أشهر. كمثال على ذلك تمتلك شركة بولينا مثال أكبر مذبح في
قارة أفريقيا وتنتج شركة المزرعة التابعة لها أكثر من 10 آلاف طن من منتجات اللحوم البيضاء الطازجة
سنويا وتوزع في آلاف نقاط البيع عبر البلاد .
يؤكد من بقي من مربي الدواجن اليوم أن أزمتهم لا يمكن معالجتها بحلول صورية أو ترقيعية وإنما هم
بحاجة إلى تغيير يبدأ من حلقة الانتاج الأولى التي يعتبرون أنهم نواتها. حيث تطالب النقابات المهنية
بالاعتراف بتكلفة الانتاج في احتساب سعر البيع النهائي، إضافة إلى تحرير الأعلاف من سلطة الشركات
الكبرى التي قضت على المنافسة بتزعم جميع حلقات إنتاج اللحوم البيضاء وصارت تتحكم في أسعار البيع
تونزي تيليغراف