تقلبات جوية منتظرة… ما لا تعرفه عن تاريخ “ڨرّة العنز” في تونس وأسطورة “غيلان” التي ارتبطت بها التقويم الفلاحي
من المنتظر أن تشهد الأحوال الجوّية بداية من مساء اليوم الجمعة، 05 جانفي 2023، نزول كميات هامة من الامطار بعدد من مناطق البلاد وفق ما أعلن عنه المعهد الوطني للرّصد الجوي في تحيين له منذ قليل و قد تبلغ الكميات المسجّلة الـ 70 ملم بجهات الشّمال.
و من المتعارف انّ التقويم الفلاحي التونسي يرتبط اساسا بما يصطلح عليه في موروثنا الشّعبي بـ”القرة” و هي فترات يعتمدها الفلاحون سابقا لتحديد حالة الطّقس و مواسم الزّراعة و لعلّ أشهرها نجد “قرة العنز” يوم 14 فيفري من كلّ سنة، فكيف يتمّ تقسيم التقويم الفلاحي سابقا و ماهي قصة راعي الاغنام غيلان الذّي ارتبط به هذا التقويم؟
يبدأ الموسم الفلاحي بـالليالي البيض التي تتنطلق يوم 25 ديسمبر وتدوم عشرون يوما وتتميز ببرودة الطقس ليلا ودفئه نهارا.
تتبعها مباشرة الليالي السود التي تبدأ يوم 14 جانفي الموافق لرأس السنة الأمازيغية 1 جانفي وتدوم أيضا عشرون يوما لياليه دافئة ونهاره بارد.
ثمّ نجد فترة العزارة، تنطلق من يوم 3 فيفري و تدوم 11 يوما يكون فيه الطقس متقلّبا.
و بعد فترة العزارة يكون هناك يوم شديد البرودة و يسمى “قرة العنز” و يوافق هذا اليوم 14 فيفري، تقول الاسطورة أن العنز خرجت ترقص فرحا بخروج شهر جانفي قائلة “جانفي نار على نار لا تغرد فيه أطيار و لا يطل جار على جار” فرد عليها الشّهر قائلا “نتسلف نهار من فيفري نخلي قرونك يلعبوا بيها الصغار في ساحة الدوار”.
و بعد هذا اليوم الذّي يكون فيه البرد شديد و الامطار غزيرة يأتي نزول جمرة الهواء من 20 الى 26 فيفري يصبح فيها الهواء دافئا تدريجيا.
من ثم تنزل جمرة الماء بداية من 27 فيفري.
تليها مباشرة “الحسوم” المذكورة في القرآن الكريم وهي فترة تبدأ يوم 10 مارس وتدوم ثمانية أيام 4 منها توافق أواخر شهر فيفري والأربعة أيام الأخرى مع بداية شهر مارس والحسوم هي فترة تلاقح الأزهار. يروى أن شخصا قال لغيلان “اذا فاتت الحسوم نحي كساك وعوم يا سارح يا مشوم” فاستدركه غيلان “لا بعد اربعين يوم” لأن بعد الحسوم مواسم أخرى باردة
هذه المواسم هي قرة حيان يأتي من 17 إلى 22 مارس أسبوع الجوارح تنبت فيها الأشجار أوراقا جديدة، ثم يأتي أسبوع الصوالح من 23 الى 29 مارس و تبدأ الثمار في الظهور.
وفي شهر أفريل أيام باردة تسمى قرة حيان وتسمى أيضا قرة غيلان يقال عنها “قرة حيان عقب مارس تهبط الحلاليف من روس الجبال” ومدتها أيضا ثمانية أيام أربعة منها في نهاية مارس العجمي (البربري الأمازيغي) والأربعة أيام الأخرى في بداية شهر أفريل أي ما يوافق امتدادها من 10 الى 17 أفريل. ويقول المثل الشعبي في هذا السياق “ما تقول جديانك جديان ولا خرفانك خرفان الا بعد قرة حيان”.
يمتد شهر ماي من 14 ماي الى 13 جوان بالتقويم الامزيغي، الأسبوع الأول منه يسمى الأسبوع الأخضر يليه الأسبوع الأصفر يليه دخول الصيف يوم 17 ماي الموافق لـ30 ماي.
والفترات الحارة صيفا تسمى “الوغرات” وهي في ارتباط مع ظهور بعض الكواكب والنجوم لذلك سميت بأسمائها بين كل وغرة وأخرى 18 يوما و تدوم كل واحدة أسبوعا وهي كالتالي: العصية اليوم 18 من الصيف تليها الثريا ثم وغرة عيوق و المرزم من فصل الصيف ليأتي أوسو يوم 25 جويلية ويمتد أربعون يوما و يقال عنه “أوسو بارد أطرافه” أي أنّ اطراف النهار فيه باردة.
من هو غيلان الذّي ارتبطت به التقويم الفلاحي؟
غيلان هو راعي ابل اختلف الناس في نسبته، قيل أنه أمازيغي وقيل أنه من عرش “أولاد غيلان” بربوع سبيطلة وقيل أيضا أنه من قبيلة دريد بالشمال التونسي كما قيل أنه من قبائل الجنوب التونسي كان غيلان يرعى ابله شتاء في منطقة الوسط بالبلاد التونسية وخاصة بربوع ڨمودة التي تتميز باعتدال طقسها وخصوبة تربتها. وضع غيلان حسابا دقيقا تضبط فيه أيام كل فصل من فصول السنة بكل دقة حيث تروي الأسطورة أن عدد من الخبراء في التقويم جاؤوه من المغرب الأقصى لمناقشته حول التقويم.
وتحكي الأسطورة أن لغيلان زوجتان، احداهما بدوية والأخرى “بلدية” عند الشتاء غادر غيلان بلده لرعي الأبل في بلاد قمودة حاملا معه زوجته البدوية، اشتدت غيرة زوجته الأخرى فقامت بتسخين الماء وسقت به شجرة لوز، فأزهرت أشجارها قبل موعدها، فبعثت ببعض من أزهارها لغيلان، لما رآى غيلان أزهار اللوز ظن أن الربيع قد حلّ، ولما قفل راجعا نزل الثلج على غير عادته بقمودة فماتت ابله، وقد سمي الموضع الذي قضي على قطيعه بـ”أم العضام” لكثرة تواجد عضام ابل غيلان فيها، أما غيلان لشدة شغفه بالابل أوصى بأن يدفن قرب عين رباو من قمودة التي كانت عينا جارية تشرف منها الابل. أما احدى زوجاته فقد أنشدت رثاء له “غريت بيا يا نوار اللوز، خليتني في راس المقارح، لاني من البل ولاني من السارح”.
مات غيلان ولكن تقويمه بقي حيا يرشد الناس عن الطقس وعن أيام الحرث والزرع والحصاد.