تأجيل الدورة 38 من معرض تونس الدولي للكتاب.

لا شكّ أنّ مختلف الفاعلين في قطاع الكتاب في تونس، من ناشرين وموزعين ومكتبات.. وغيرهم، قد صُعقوا لدى استقبالهم خبر تأجيل الدورة 38 من معرض تونس الدولي للكتاب إلى أجل غير مسمّى، خاصة وأنّ قرار “التأجيل” لم يرد نصًا بهذه الكلمة، تمامًا كما لم ترد كلمة “الإلغاء”، وإنّما وقع استخدام مصطلح “تعذُّر تنظيم الدورة” بقصر المعارض بالكرم.
وقد يستغرب كثيرون من عدم قدرة هياكل الدولة على تنظيم معرض تونس الدولي للكتاب في أيّ فضاء آخر. هذا الاستغراب الذي يزداد بلا ريب حين نذكّر بأنّ فضاء تونس للمعارض، أو قصر المعارض بالكرم كما يُعرف به، هو فضاء خاص، تكتريه الدولة لتنظيم هذا المعرض وغيره. الأمر الذي أثار حفيظة عدد من المتدخلين الذين حاورهم “الترا تونس”.
 
الحبيب الزغبي: كلّ الحيثيات تواصل في جعل الكتاب قطاعًا منكوبًا في تونس
يؤكد رئيس نقابة المكتبيين ومورّدي وموزعي الكتب الحبيب الزغبي في تصريحه لـ”الترا تونس”، أنّ كلّ الحيثيات تواصل في جعل الكتاب قطاعًا منكوبًا في تونس، فمعرض تونس الدولي للكتاب مصنف ضمن المعارض الدولية وفق رزنامة اتحاد الناشرين العرب، “وقد كنا نطمح أن يعود المعرض إلى دوريته لضمان تطور قطاع الكتاب بعد تذبذب عرفه في أوقات سابقة، لكنّ مشكل شروط السلامة التي تعرفها بناية معرض الكرم تسبّبت في تأجيل المعرض إلى حين توفر فضاء آخر، ونحن نعرف أنّ هذا الفضاء الآخر غير متوفر” وفق قوله.
وقال الزغبي: “أعتقد أنه هناك مشاكل كبيرة جدًا تهم إدارة معرض الكتاب، فهذا هو المعرض الوحيد في العالم الذي لا يملك إدارة قارة وتشرف عليه وتنظّمه وتديره وزارة الثقافة التونسية رغم أنه نشاط من جملة أنشطة أخرى تضطلع بها الوزارة”.
 
وحول تلقّيه خبر تأجيل معرض تونس الدولي للكتاب، قال الحبيب الزغبي: “كل الناشرين والمكتبيين والموزعين وغيرهم يشتغلون لإنقاذ الموسم عبر المعرض، ومسألة تأجيله مثّلت صدمة وإحباطًا للجميع، خاصة مع تقليص دورات اقتناء الكتاب التونسي من دورتين إلى دورة واحدة”، وانتقد تصرف وزارة الشؤون الثقافية “وكأن معرض الكتاب ملك خاص للإدارة في تجاوز لكل مكونات القطاع، ما يؤدي إلى مزيد تدهور القطاع وإلى نفور الناشرين والبحث عن حلول أخرى لمحاولة تعويض هذا المعرض الدولي”.
وقد تكون بعض هذه الحلول الأخرى لتعويض الخسائر المترتبة عن تأجيل معرض تونس الدولي للكتاب، تنظيم معارض خاصة أو خارجية، أو ببساطة إغلاق بعض دور النشر، وفق قوله. مشددًا على ضرورة فتح باب النقاش حول هذا القطاع الذي يشغّل الكثيرين ويملك مقبولية كبرى حتى عالميًا، يقول: “هناك إقبال محترم على الكتاب التونسي حتى في المعارض الدولية الكبرى”.
 
وأرجع رئيس نقابة المكتبيين، المشاكل التي يعرفها تنظيم معرض الكتاب كل مرة إلى “التراجع الذي دخلت فيه تونس على مستوى كل القطاعات حتى الرياضية، وذلك بسبب عدم تشريك أهل الاختصاص”، وتساءل: “كيف يُعقل ألّا تصدر الهيئة المشرفة على المعرض كل سنة، تقريرًا تقييمًا يساعد الهيئة المديرة القادمة على تدارك الأخطاء والتحسين؟” وقال: “لماذا نفوّض أصلًا لهيئة جديدة كل سنة والحال أنّ التجارب المقارنة تقول عكس ذلك”، مستشهدًا بمدير المعرض الدولي للكتاب بالمغرب، الذي قال إنه أشرف عليه لمدة 14 سنة ولم يُبعده من منصبه سوى الموت، وفق وصفه
وشدّد الزغبي على ضرورة أن يكون مدير المعرض ملمًا بقطاع النشر بكل تفريعاته وأن يكون “ابن القطاع”، لا أن يكون من الأكاديميين والأساتذة الجامعيين، معتبرًا أنّ الاستفادة من تجارب هؤلاء تكون من ناحية علاقاتهم وإشعاعهم لا من حيث التنظيم.
 
وانتقد الحبيب الزغبي، ما وصفه بـ”التعامل الفوقي للوزارة التي لا تملك الفكرة ولا رأس المال البشري ولا القدرة على التنفيذ”، مؤكدًا حول مقترحات تنظيم هذا المعرض بمدينة الثقافة بالعاصمة، بأنّ الفضاء الخارجي لمدينة الثقافة يقدر على استيعاب العارضين لكن تهيئة ذلك سيكلّف أموالًا باهظة، لافتًا في الأخير إلى أنّ “هذا التأجيل أو الإلغاء سيؤدي إلى مزيد تكبيل نشاط الكتاب في تونس” وفق تقديره.
 
وداد بن يحمد: المشكلة الأخطر من قرار التأجيل أو الإلغاء، هو توقيت اتخاذ هذا القرار
ممثلة دار سراس للنشر وداد بن يحمد، تلاحظ من جانبها، في حديثها لـ”الترا تونس”، أنّ المشكلة الأخطر من قرار التأجيل أو الإلغاء، هو توقيت اتخاذ هذا القرار في حد ذاته، إذ يأتي قبل وقت وجيز جدًا من انطلاق المعرض، وبعد التزام دور النشر مع المطابع في طباعة كميات أكبر من النسخ نظرًا لاقتراب حلول شهر رمضان وما يرافق ذلك من توقيت عمل استثنائي.
وقالت بن يحمد إنّ هذا التأجيل يأتي أيضًا متزامنًا مع التقليص من دعم الكتاب في إشارة إلى شراءات وزارة الثقافة، وأضافت: “الوزارة ذهبت في نهج جديد يتمثل في أنّ الكتاب الذي يحصل على دعم ورق لا يحصل على شراءات”، وهو الأمر الذي وصفته بـ”غير المنطقي”، إذ إنّ دعم الكتاب على مستوى الورق مع عدم شرائه عديم الجدوى، وفقها.
 
كما استنكرت محدّثتنا في هذا الإطار، قرار التأجيل رغم التزام الناشرين والعارضين عمومًا بتوريد كميات أخرى من الكتب، ولم تخف استغرابها من انطلاق الاجتماعات التنسيقية لتنظيم هذا المعرض بالفعل، ومع ذلك، صدر في اليوم نفسه تقريبًا هذا القرار بإلغاء هذه الدورة من المعرض!
تقول وداد بن يحمد: “أساسًا معرض تونس الدولي للكتاب لم يعد دوليًا، فدور النشر الكبرى لم تعد تشارك كالسابق لأسباب عديدة، منها أنّ السوق التونسية ليست سوقًا كبيرة، وأيضًا لأنّ كتب هذه الدور تصل بالنيابات أو بالشراءات المباشرة من المكتبات، فضلًا إلى أنّ بعض الدور تفضّل أن تستغل فترة معرض تونس الدولي للاستراحة والتحضير لمعارض آخر أهم وأكبر” وفقها.
 
وانتقدت بن يحمد أنّ تونس لا تشرع في تجهيز معرضها الدولي للكتاب، إلا قبل وقت قصير جدًا من انطلاقه، كما أنّ الهيئة المديرة لا تصدر تقييمًا للتحسين، ناهيك عن غياب المعلومة وسوء التنسيق، وقالت: “من المفروض أن تعلمنا وزارة الثقافة بأسباب هذا التأجيل، لا أن تكتفي بإعلان القرار، خاصة وأنّ 50% على الأقل من رقم معاملات أي دار نشر تتمّ في معرض تونس الدولي للكتاب” وفقها.
 
سامي المقدم: تم إعلامنا بقرار التأجيل/الإلغاء بجرة قلم دون حتى سماع مقترحاتنا
وعقب إعلان المؤسسة الوطنية لتنمية المهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية، تأجيل الدورة 38 لمعرض تونس الدولي للكتاب بقصر المعارض بالكرم، على أن يتمّ الإعلان عن الموعد والمكان الجديدين للمعرض لاحقًا، تفاعل الكاتب والناشر سامي المقدم، صاحب دار “بوب ليبريس” للنشر، مع هذا الخبر، فعبّر لـ”الترا تونس” عن استنكاره أن يكون لكامل الدولة التونسية فضاء واحد لا غير للعرض، والأدهى أنها لا تملكه بل تكتريه من الخواص، وفق وصفه.
واقترح الناشر في هذا السياق، أن يقع تنظيم هذا المعرض مع ذلك في فضاء آخر غير قصر المعارض بالكرم، وقال إنه يمكن أن يُنظّم في أيّ فضاء آخر بولاية سوسة مثلًا أو أي ولاية أخرى في إطار الانفتاح على الجهات.
 
وحول تبعات هذا التأجيل/الإلغاء، قال المقدم: “طبعنا كدور نشر عددًا كبيرًا من النسخ التي عوض أن تباع في وقت قياسي في فترة المعرض، سنضطر إلى بيعها خارج المعرض في المكتبات بنسق أبطأ قد يصل إلى عدة أشهر أو سنوات” وفقه.
 
وأشار سامي المقدم إلى أنّ الناشرين اليوم أصبحوا تحت ضغط مالي كبير، وأنّهم تلقّوا صدمة كبرى بعد إعلامهم بجرة قلم بتأجيل هذه الدورة دون حتى الانفتاح على بقية الهياكل للاستماع إلى مقترحاتها أو التشاور معها.
Exit mobile version