بقلم عبد السلام الزبيدي
لا يمكنني وصف إقالة رئيس الجمهورية قيس سعيّد رئيس الحكومة أحمد الحشاني بالمفاجِئة لاعتبارات كثيرة، من بينها سوابق التعيين والإعفاء أوّلا، وطريقته في إدارة دواليب الدولة ثانيا. وسيْرُه ثالثا على درب من سبقوه، رغم انتقاده لهم بسبب تسارع وتيرة تشكيل الحكومات. والحال أنّه عيّن في عهدته المطلقة، منذ 25 جويلية 2021، عددا أكبر ممّن “تآمروا على تشكيلها” في الغُرف المظلمة، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ رئيسَي الحكومتين اللذين عيّنهما نظام الأحزاب (إلياس الفخفاخ وهشام المشيشي) كانا من اقتراحه.
وسواء أخذنا بعين الاعتبار التعيينات على أساس دستور 2014، أو وفق دستور 2022، فإنّ عدد رؤساء الحكومات الذين اختارهم بعد أن عادت إليه صلاحية التعيين جزاء دستوريا وفاقا لفشل منظومة الأحزاب المنتخبة أو الذين اختارهم دون حاجة إلى مفاوضات أو استشارات، قد بلغ خمسة. فبعد الفخفاخ والمشيشي، جِيءَ بنجلاء بودن في سبتمبر 2021، وعوّضها أحمد الحشاني يوم 2 أوت 2023، وعَلِمَ الشعب التونسي من “الفيسبوك الرئاسي” بعدما أرخى الليل سدوله بقدوم كمال المدوري.
رؤساء الحكومات.. عدد قياسي
بارتفاع عدد رؤساء الحكومات المعيّنين من قبل رئيس الجمهورية قيس سعيّد في العهود الثلاثة لعهدته، العهد الأوّل زمن الانتقال الديمقراطي، والثاني زمن تجميع السلطة والحكم بالتشريع الذاتي، والثالث زمن الدستور الذي خطّه بيمينه، يغدو معدّل “السكن “في قصر الحكومة بالقصبة سنة واحدة. وهذا المعدّل السنوي لعمر الحكومات زمن الانتقال أو زمن القيام بمهام رئاسة الحكومة في عهْدي التشريع الذاتي وما تلاه، قصير جدّا ولا يسمح بالإنجاز سواء كان هذا الإنجاز المأمول انخراطا في مشروع رئاسي غير مكتمل أصلا وينقصه الوضوح، أو كان في إطار المزج بين الخيار السياسي للرئيس والبصمات الذاتية للمرؤوس برتبة رئيس حكومة.
ويكشف ارتفاع عدد المعيّنين وانخفاض معدّل تعمير الحكومات، عن وجه سلبي ذي صلة بالخيارات الرئاسية. فالتغيير المستمرّ قد يعكس عدم الرضا عن الأداء سواء كان هذا “الشعور/الموقف” انطباعيا أو وليد تقييم، ومن المحتمل أن يكون نتيجة عدم التسامح مع خطإ ما، أو وليد محاولة للبحث عن الشخصية ذات الحُسْنيَيْن، أي الانسجام مع الرئيس وسياساته والمواءمة مع طبيعة المرحلة.
ومهما تكن أسباب التغيير المتتالي والمُعْتبر عقبة وحائلا دون تمكين رئيس الحكومة من فسحة زمنية للإنجاز، فانّ ذلك يعكس ضعفا فادحا في اختيار الشخصيات المناسبة في المكان المطلوب والملائم. وما يقال عن رؤساء الحكومات ينطبق على الوزراء والولاة والمعتمدين والمسؤولين الأُول في مختلف مفاصل الدولة الأمنية والإدارية والمؤسساتية، مع استثناء المؤسسة العسكرية التي حافظت في هرمها الأعلى على الاستقرار طيلة العهدة الرئاسية الحالية.
وبالعودة إلى الإعفاء الأخير واحتلاله منزلة بين منزلتي الانتظار وعدم المفاجأة، من المهم الإشارة إلى أن رئيس الجمهورية لم يُخفِ عدم رضاه عن الأداء قبل أسبوع واحد من الإقالة. ولئن كان عدم الرضا أمرا مواطنيا لا يرقى إليه الشك، وأكّده أكثر من استطلاع للرأي، فإنّ اشتراك سعيّد مع الشعب في ما يريده قد يكون في المآلات وليس لذات الأسباب.
فتقييم المواطنين السلبي للحشاني يرجع في عمومه إلى طبيعة الشخصية، والفشل الرهيب في التواصل، والعجز عن تقمّص شخصية قادرة على تحقيق المنجز الاقتصادي. فالحشاني يعدّ نقطة الالتقاء الوحيدة بين أنصار الرئيس ومشروعه، وبين معارضي سعيّد وسياساته. أمّا عدم الرضا الرئاسي فأسبابه المعلنة أو الظاهرة هي عدم السير على هدى الدستور الموقّع يوم 22 أوت، والمسمّى دستور 2022.
الدستور الجديد وصلاحيات الحكومة
لقد سبق أن ذكرت مرارا، أنّ رئيس الجمهورية بصدد إخبارنا بما يعتزم فعله، لكنّ فكّ شفرات قوله كثيرا ما يأتي متأخرّا. فقبل أسبوع من الآن، وتحديدا يوم 30 جويلية، زار سعيد القصبة وتحدّث في أمرين رئيسيين عند لقائه بالحشاني. الأوّل قضية السياسة المائية في البلاد والانقطاعات المتكرّرة التي عزاها إلى أطراف مجهولة لا تريد خيرا للبلاد وللشعب، أو قُل إنّها اتّخذت منها أداة للتأثير على الناخب وتحميل السلطة المسؤولية. أمّا الأمر الثاني فكان التذكير بصلاحيات الحكومة ( رئيسا ووزراء)، حيث انتقد من يتصرّف وفق دستور 2014 الذي يسند لرئيس الحكومة صلاحيات تنفيذية كبرى ويتيح للوزارء هوامش للتخطيط والتنفيذ.
ولذلك وجد سعيّد نفسه “مضطرّا” لتذكير رئيس حكومته بمنطوق الفصل 111 من الدستور ونصّه “تسهر الحكومة على تنفيذ السياسة العامّة للدولة طبق التوجهات والاختيارات التي يضبطها رئيس الجمهوّرية”. إنّ أمرا ما يحدث، يدفع رئيس الجمهورية إلى التنقّل إلى القصبة ولقاء رئيس الحكومة والقول أمام الملأ الفيسبوكي بأنّ البعض من منظوري الحشاني لا يزالون يتوهّمون أنّ دستور 2014 لا يزال ساري المفعول.
كانت تلك الزيارة، في تقديري، إنذارا بضرورة العودة إلى جادّة الدستور الجديد، ودعوة الجميع إلى الرضا بصلاحياته، ورسالة مباشرة من سعيد للحشاني بأن يقوم بما يلزم حتّى ينضبط الجميع للنص الأعلى الذي يعطي لرئيس الجمهورية صلاحية تحديد السياسات والتوجهات والاختيارات، أمّا مهمة الحكومة رئيسا ووزراء فهي التنفيذ.
اتّجهت التأويلات صوب وزارة الفلاحة ووزيرها، فهي التي اتخذت قرارات التقسيط في توزيع المياه على المواطنين. هذا القرار المندرج ضمن سياسة ترشيد استعمال الماء زمن الجفاف وتراجع منسوب السدود إلى الربع حسب الوزارة، وزمن توفّر الماء وتعمّد البعض قطعه عن المواطنين لأسباب انتخابية حسب رئيس الدولة.
وبإعفاء الحشاني خاب ظنّ المؤوّلين. وتلك نصف الحقيقة، أمّا نصفها الثاني فانكشافها يتستوجب غوصا في السياسة المائية والظرف الانتخابي وأسباب تعيين شخصية من خارج المشروع الرئاسي، بل ذات العلاقة غير الودّية مع أحد أعمدته السابقة رئيسا للحكومة أهم صلاحياته ليس في الفصل 111 وإنّما في فصل آخر.
مقالات ذات صلة
-
وزارة التّجارة تعلن “الحرب” على الاحتكار والمضاربة -
اصطدام الحرس البحري بمركب مهاجرين واغراقه: حسام الدين الجبابلي يوضّح -
وزير التشغيل: نحو الترفيع في سقف تمويل الشركات الأهلية إلى مليون دينار -
الليلة: رياح قوية وأمطار بهذه المناطق -
تفاصيل ومعطيات جديدة تكشف في حادثة الاعتداء على عبد اللطيف المكي بمادة حارقة -
كيف تكشف زيت الزيتون المغشوش -
القضاء يصدر حكما بالسجن في حقّ نائب بالبرلمان الحالي -
اقرار اضراب عام جهوي بالقيروان