قال تقرير نشره موقع “ميدل إيست آي”، إن “نزاهة الانتخابات” الرئاسية المقرر تنظيمها في 6 أكتوبر القادم، “بعيدة كل البعد عن أن تكون مضمونة في المناخ القمعي الحالي”، في ظل إحالة “العديد من المعارضين إلى المحكمة أو سجنهم”، سواء ممن أعلنوا ترشحهم لخوض السباق الرئاسي، أو قيادات بعض الأحزاب.
وتحت عنوان “انتخابات تونس تبدو بعيدة كل البعد عن النزاهة حيث يواجه منافسو سعيد الإقصاء والتحديات”، انطلق التقرير من إعلان رئيس الجمهورية قيس سعيد ترشحه للانتخابات الرئاسية، من منطقة برج الخضراء أقصى جنوب البلاد، مشيرا إلى أنه على عكس تصريح سعيد بأنه “لن يعتمد إلا على وسائله الخاصة”، فإنه “استفاد من موارد الدولة لفعل لا يندرج ضمن وظيفته، في تناقض مع محتوى رسالته”، من خلال تصوير بيان الترشح “في منطقة عسكرية مغلقة، لا يمكن للمواطنين العاديين الوصول إليها”.
خطأ قانوني وسياسي
وحسب “ميدل إست آي”، ففي في الوقت الذي يصر فيه “رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات على المساواة الصارمة بين المرشحين”، فإن “الامتياز الذي منحه سعيد لنفسه في إعلان ترشحه”، يأتي في خضم الملاحقات القضائية والإجراءات الأمنية التي تعرض لها عدد من المرشحين المحتملين، على غرار الأمين العام لحزب الاتحاد الشعبي الجمهوري لطفي المرايحي الذي وقع إيقافه وصدر بحقه حكم بالسجن ثمانية أشهر مع منعه من الترشح مدى الحياة، بتهمة فساد تتعلق بشراء تزكيات لفائدة حملته سنة 2019.
وفي تصريح للموقع، قال القاضي الأسبق بالمحكمة الإدارية أحمد صواب، إن “هذا الحكم غير قانوني”، معتبرا أنه “خطأ قانوني متعمد سياسيًا”.
وأضاف صواب، أن الحكم بالحرمان من الترشح مدى الحياة يرتكز إلى “مرسوم أصدره سعيد من جانب واحد يعدل قانون الانتخابات المتعلق بالانتخابات التشريعية ويعاقب على الانتهاكات المرتكبة في يوم التصويت”.
ويلفت صواب أن يكن المرايحي لم يكن مرشحا للانتخابات التشريعية، كما أن المرسوم لم يتطرق إلى جمع التزكيات الشعبية.
الإيقافات والعقبات الإدارية
ويواصل التقرير مبينا، أن “المرايحي ليس المرشح الوحيد الذي أعاقه نظام العدالة”، بعد الإجراءات التي أقرها قاضي التحقيق ضد الأمين العام لحزب العمل والإنجاز والوزير الأسبق عبد اللطيف المكي، في قضية وفاة رجل الأعمال الجيلاني الدبوسي داخل السجن سنة 2014.
ومنع المكي بموجب القرار القضائي من الظهور في وسائل الإعلام أو نشر تديونات على منصات التواصل الاجتماعي، إلى جانب منعه من السفر و مغادرة حدود دائرة الوردية.
ويعلق التقرير: “بشكل ملموس، تمنعه هذه التدابير من خوض حملة انتخابية.”
وتطرق الموقع إلى رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، “والتي أعلنت ترشحها قبل أكثر من عام، لكنها قيد الاعتقال منذ أكتوبر 2023″، لافتا إلى أنه على الرغم من دعم الحزب لترشحها من داخل السجن، فإن “الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ترفض إصدار الاستمارة الخاصة بجمع التزكيات”، لفائدتها.
ويذكر التقرير فيما يتعلق بعبير موسي بأن هيئة الانتخابات بدورها، “قدمت عدة شكاوى ضدها، بعضها أدى إلى إصدار أوامر إيداع بالسجن، على أساس المرسوم عدد 54”.
وتحدثت نافعة العريبي محامية عبير موسي إلى”ميدل إيست آي”، عن “العقبات التي واجهتها في الترشح للرئاسة” قائلة: طلبت منا الهيئة العليا المستقلة للانتخابات توكيلاً خاصًا من موكلتنا، على الرغم أن المحامي لديه تفويض خاص لغرض الإجراءات القانونية، كما طالبوا بموافقة قضائية على دخول محضر قضائي إلى السجن لتسجيل التوكيل الخاص، لكن القضاة لم يصدروا بعد الإذن الذي يسمح للمحضر بزيارتها.
وأضافت العريبي أن فريق الدفاع طعن في رفض الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أمام المحكمة الإدارية.
وتطرق التقرير إلى المرسوم 54 بالقول، “إنه يهدف رسميًا إلى مكافحة الجرائم الإلكترونية والأخبار الكاذبة، لكنه يسمح للسلطات بقمع المعارضين بأحكام تصل إلى 10 سنوات سجنًا”.
وإلى جانب عبير موسي، تناول “ميدل إيست آي” مساعي كل من عصام الشابي، الأمين العام لحزب الجمهوري و الوزير الأسبق غازي الشواشي الموقوفين في ما يعرف بـ “قضية التآمر على أمن الدولة”، للترشح من داخل السجن.
وقال التقرير إن عصام الشابي “سحب ترشيحه بسبب فشله في الحصول على استمارات التزكية”، بينما واصل الشواشي إجراءات استكمال ملف الترشح.
ونقل الموقع تصريحا لنجله إلياس الشواشي، قال فيه إن والده “اضطر إلى مواجهة مضايقات هيئة الانتخابات”، مضيفا أنه منح شقيقه الأكبر توكيلا عاما لتمثيله، بما في ذلك في التعامل مع هيئة الانتخابات.
واستطرد إلياس الشواشي: تم التحقق من صحة التوكيل من قبل قاضي التحقيق، لكن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات طلبت توكيلا خاصا ينص على طلب استمارة جمع التزكيات الشعبية والبطاقة عدد رقم 3 الخاصة بالسجل الجنائي، وهو ما أدى إلى تقدمنا باستئناف أمام المحاكم الإدارية، الوالتي رفضت طلبنا في الطور الابتدائي”.
وأورد الموقع موقف منظمة “أنا يقظ”ن المعنية بملاحظة الانتخابات، والتي تحدثت عن “إجراءات معقدة” للانتخابات المقبلة، فضلاً عن “غياب منهجي للشفافية”.
البطاقة عدد 3 والجدل حول التزكيات
ويصف “ميدل إيست آي”، الجدل المثار حول البطاقة عدد 3 معبرا أنها “وسيلة اختيار ضمني للمرشحين الرئاسيين في يد الإدارة، حيث أن موعد الحصول عليها يخضع لتقدير أجهزة الدولة، وبالتالي فإن عدم حصول المرشحين عليها يمنعهم من المنافسة”.
ويستطرد: الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، كهيئة دولة، لديها كل الوسائل للتحقق من السجل الجنائي للمرشحين، في عام 2014، أصدرت المحكمة الإدارية حكما ينص على تقديم المرشحين الوصل الخاص بطلب البطاقة عدد 3 لقبول ملفاتهم.
وعلى صعيد آخر، تناول التقرير مسألة البيانات الشخصية للناخبين الذي قدموا تزكياتهم بالنسبة إلى المرشحين المنافسين والمعارضين للرئيس سعيد، مبينا أن الشروط التي فرضتها هيئة الانتخابات، لجعل قائمات التزكيات علنية، “يمكن أن تثبط عزيمة العديد من المواطنين، خوفا من تعرضهم إلى الانتقام”.
واستشهد الموقع في هذا الإطار، بالبيان الذي اصره أعضاء المجلس الجهوي بنابل، والذي انتقد قيام أحد أعضائه بتزكية أحد منافسي الرئيس سعيد واصفا هذا الأمر بأنه “خطوة أحادية الجانب وغير مسؤولة”.
وفي السياق ذاته رصد التقرير تنديد منظمة العفو الدولية بـ”تشديد القمع ضد المعارضة”، بعد اعتقال الأمين العام لحركة النهضة عجمي الوريمي..
وقالت منظمة العفو الدولية: “إن هذه الاعتقالات مثيرة للقلق بشكل خاص مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية”، وأدانت “الاعتقالات التعسفية للصحفيين والمحامين والناشطين والزعماء السياسيين، ولكنها أيضًا تقويض منهجي لاستقلال القضاء”.
وفي قراءته للتركيبة الحالية الهيئة العليا المسقلة للانتخابات، يشير التقرير إلى أنها “غير دستورية” باعتبار أنها “مكونة من سبعة أعضاء، في حين أن للقانون الأساسي لعام 2022 يتطلب أن تتكون الهيئة من تسعة مسؤولين”.
ويضيف: “من بعد جويلية 2021، تم اختيار أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بشكل مباشر أو غير مباشر من قبل الرئيس سعيد”.