بقلم نزار الريحاني
أثار بيان هيئة المحامين، الخميس، جدلا واسعا بين مرحّب ومتعجّب في ظلّ تغيّر موقفها من عديد القضايا وأيضا في هذا التوقيت الذي يشهد حراكا سياسيا غير مسبوق وتصاعد الأصوات المعارضة لمسار السلطة الحالي قبل أشهر قليلة من موعد إجراء الانتخابات الرئاسية، وفق ما تمّ الإعلان عنه من هيئة الانتخابات ورئيس الجمهورية.
موقف مفاجئ
يرى عديد المتابعين للشأن المحلّي أنّ موقف هيئة حاتم المزيو كان مفاجئا في ظلّ تغيّره بـ360 درجة، خاصّة أنّ البيان تضمّن لأوّل مرة تهديدا صريحا بالتصعيد و”استعمال كل وسائل النضال بداية بالمقاطعات والاحتجاجات وصولا إلى الدعوة لانعقاد الجلسة العامة الخارقة للعادة لعموم المحامين” في صورة عدم استجابة السلطة لعديد المطالب، من ذلك الكفّ عن ملاحقة المحامين والتضييق على عملهم وإلغاء التتبّعات بالمرسوم 54 والإفراج الفوري عن سجناء الرأي من سياسيين ونشطاء وأيضا إلغاء عديد القوانين التي تتعارض مع مكسب الحريات والديمقراطية.
ولعلّ دعوة الهيئة في بلاغ إلى مساندة المحامي وعضو مجلس الهيئة السابق، الأستاذ عبد العزيز الصيد، الذي سيمثُل أمام الدائرة الجناحية الثامنة بالمحكمة الابتدائية بتونس، الأربعاء القادم، وذلك بعد إحالته على “خلفية أعمال قام بها وتدخل في صميم مهام المحامي”، خير دليل على التحوّل في موقف هيئة المزيو من الأحداث الدائرة في السنتين الماضيتين بعد أن لازمت الصمت رغم تشكيات أبناء القطاع واحترازاتهم من التضييقات والاستهداء المتواصل لعملهم.
وبالعودة إلى تسلسل الأحداث، نلاحظ أنّ تغيّر موقف هيئة المحامين بدأ منذ فترة برفض قرار مجلس المنافسة بشأن أتعاب المحامين، إضافة إلى مشروع القانون الأساسي الذّي سينظّم مهنة عدول الإشهاد والمحال على أنظار لجنة التشريع العام بمجلس نواب الشعب، وشدّدت على استعدادها لخوض كل الأشكال النّضالية القصوى المتاحة للتّصدّي لهذا المشروع.
قراءات مختلفة
في تعليقه على بيان هيئة المحامين، يتساءل الصحفي والناشط زياد الهاني حول إن كان “صحوة ضمير”. ويقول الهاني في تدوينة “البيان الأخير للهيئة الوطنية للمحامين بما تضمّنه من مواقف مناصرة للحريات ورافضة للظلم وداعمة لاستقلالية القضاء التي ساهم العميد حاتم المزيو وهيئته في كسرها، من خلال الاصطفاف المخزي خلف الشعبوية؛ جعلني أتساءل إذا ما كنّا أمام صحوة ضمير وعودة وعي يجسّدان عودة الابن الضال وتخلّصه من عباءة العميد إبراهيم بودربالة الذي خان تراث كل من سبقوه من العمداء الأجلّاء الذين كانوا أهلا لشرف تبوّؤ مركز العمادة السامي وحماة لنبل رسالته؟
من جهته، يرى النائب السابق ياسين العياري أنّ بيان هيئة المزيو جاء على خلفية صراع خفي بين رئيس الجمهورية والعميد السابق ورئيس البرلمان الحالي إبراهيم بودربالة.
واعتبر أنّ موقف رئيس هيئة المحامين جاء متأخّرا.
ويقول العياري في تدوينته: “تنابز بودربالة وسعيّد، خرج المزيو بيان! كان جاء فالح راو م البارح يا كبدي!”.
قراءة سياسية جديدة
يعتقد عديد الملاحظين للشأن السياسي والعام، أنّ بيان هيئة المحامين يعكس البحث عن النجاة من حملة التخوين التي لاحقتها بسبب موقفها السلبي من حملة التتبّعات التي طالت أبناء القطاع على خلفية دفاعهم عن الموقوفين من السياسيين والناشطين على خلفية آرائهم ووفق المرسوم 54.
ويرى المحامي والسياسي محمد لزهر العكرمي أنّ بيان هيئة المزيو يأتي في إطار “احجز لنفسك مكانا على ما يأتي”.
ويتساءل العكرمي عن أسباب الاستفاقة المفاجئة لهيئة المحامين، وهل هي ناتجة عن قراءة سياسية جديدة؟ وهل ما تبقّى من مصداقية للعميد الحالي كفيل أن يجعله يقود المحاماة كقاطرة للحقوق والحريات؟.
ويربط العكرمي حقيقة موقف هيئة المحامين برئاسة حاتم المزيو بمدى حرصها على ترسيم القضاة المعفيين، ليتبيّن بالتالي مدى جديتها في الدفاع عن منظّريها ورفضها سياسة السلطة في ضرب كل مقومات الحرية والديمقراطية.
ويعتقد النائب بالبرلمان المنحل عبد اللطيف العلوي، أنّ موقف هيئة المحامين بزعامة حاتم المزيو يغيب عنه الانسجام التام، بعد أن كان في صفوف مسار 25 جويلية، وساند كل خطواته انطلاقا من حلّ البرلمان وإلغاء دستور 2014، وحلّ المجلس الأعلى للقضاء.