نبّه القاضي التونسي البشير العكرمي الموقوف في السجن، إلى خطورة الوضع الذي آل إليه القضاء في تونس، بمساءلة القضاة على أحكامهم وقراراتهم، وسجنهم، داعيا القضاة في تونس أن يضعوا حدّا لهذا “الظلم والجور والتعسّف”، على حد تعبيره.
وقال العكرمي في رسالة بعثها من سجنه إنّه يحاكم اليوم بعد مسيرة امتدّت لأكثر من ثلث قرن “34 سنة”، باشر خلالها خططا قضائية عديدة وتنقّل فيها بين مكاتب التحقيق ومكاتب النيابة دون أن تتعلّق به أيّ مؤاخذة تأديبية أيّا كان نوعها.
وبيّن القاضي أنّ مسيرته تلك عصفت بها جملة من الشكايات الكيدية تقدّم بها طرف سياسي لم يستسغ الحقيقة القضائية التي توصّل إليها بمناسبة تعهّده بملف اغتيال الفقيد شكري بلعيد والمضمنة بقرار ختم البحث الذي ناهز 500 صفحة، وظل يسعى إلى تدليسها وتشويهها حتى بعد إقرارها من قبل قضاة دائرة الاتهام ثم قضاة محكمة التعقيب، وفق تعبيره.
وذكّر العكرمي بتبرير قاضي التحقيق بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب الذي أصدر بطاقة إيداع في حقه بتاريخ 10 مارس 2023، “وذلك بحضور جمع من المحامين الذين كانوا إلى جانبي ساعة مثولي أمامه” بعد أن جرّح في نفسه، حيث قال بالحرف الواحد: “سامحوني شي أقوى مني.. أمور تتجاوزني – يا أنا يا هو في الحبس”.
واعتبر العكرمي أنّ هذا العبارات “وعلى قساوتها وقساوة الوضع الذي أفرزته بأن سلبت مني حريتي وقبرتني في غياهب مكان مظلم وقاتل، إلّا أنّها بقيت في الحقيقة إحدى المصادر القليلة الباقية للصبر والتجلّد، إذ جعلتني أستوعب سبب بقائي هنا إلى حدود هذه اللحظة وأغفر إلى حد ما للقضاء، وليس للقضاة الذين يحاكمونني، خطيئة محاسبتي على أعمال قضائية أجزم أنّي قد وفّقت فيها وأتممتها على أحسن وجه”، وفق تعبيره.
وتساءل: “هل من ظلم أشد مضاضة من أن تتحوّل العدالة إلى مساومة بين أن تسجن (بنصب التاء) أو تسجن (برفع التاء)؟ هل من جور أفظع من أن يختار قضاة ظلم زميلهم على أن يسجّلوا موقفا تاريخيا مشهودا يقفون بفعله أمام الناس وقفة عز وإباء وشموخ؟”.
وقال العكرمي في الرسالة ذاتها: “التاريخ سيذكر أنّ البشير العكرمي لم يتولّ فقط التحقيق في قضية اغتيال الفقيد شكري بلعيد بل تولّى النظر كذلك بنفس الاقتدار والمهنية في ملفي عمليتي باردو وسوسة الإرهابيتين… إذ شاركت في هذين الملفين قرابة 12 دولة أجنبية بأجهزتها القضائية وضابطتها العدلية وأجهزة استعلاماتها عن طريق إنابات قضائية وتمت المصادقة على كل أعمال التحقيق، التي تأيّدت أيضا بالمصادقة عليها من طرف دوائر الاتهام ومن بعدها الدوائر الجنائية الابتدائية والاستئنافية، وأصبحت الأحكام نهائية وباتة”.
وتابع: “كل هذا نتج عنه تكريمي من طرف محاكم أجنبية عليا ببريطانيا وبلجيكا وفرنسا لقاء حرفيتي في معالجة الملفات الإرهابية في المقابل تُنسب إليّ في بلدي جرائم إرهابية بناء على شكايات كيدية مقدّمة من طرف حزب سياسي تواطأ فيها لاحقا لوبي قضائي”، معتبرا ذلك مفارقة قاسية ومؤلمة.
ودعا العكرمي في خاتمة رسالته زملاءه وزميلاته من القضاة إلى التمعّن في خطورة الوضع الذي آل اليه القضاء اليوم بأن فتح الباب إلى مساءلة القضاة جزائيا عن أعمالهم وأحكامهم وقراراتهم، وسجنهم إن اقتضى الأمر، معربا عن خشيته من ألّا يوصد هذا الباب مستقبلا.
وأضاف: “الأمر بيدكم أنتم دون سواكم، إما أن تستمرّوا في إزهاق ما تبقّى من استقلاليتكم أو أن تضعوا حدا لكل هذا الظلم والجور والتعسّف”.
وفي 13 جويلية 2022، قرّر مجلس القضاء العدلي إيقاف العكرمي عن العمل، حتى البتّ في ما نسب إليه من تهم ”التستّر على ملفات متعلّقة بالإرهاب”.
كما يتّهم وكيل الجمهورية السابق بـ”ارتكاب إخلالات في المسار القضائي لملفي اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي، والتستّر على جرائم إرهابية وتعطيل التحقيق في آلاف الملفات المتعلّقة بالإرهاب”، وهي اتهامات نفاها العكرمي.